فصل: تفسير الآيات (16- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (5):

{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)}
{عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} الآية، نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وروي أن عمر قال ذلك ونزل القرآن بموافقته، ولقد قال عمر حينئذ للنبي صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله لئن أمرتني بضر عنق حفصة لضربت عنقها، وقد ذكرنا معنى الإسلام والإيمان والقنوت، والسائحات: معناه الصائمات قاله ابن عباس: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل معناه مهاجرات وقيل ذاهبات إلى الله، لأن أصل السياحة الذهاب في الأرض، وقوله: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} قال بعضهم: المراد بالأبكار هنا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون؛ فإن الله يزوج النبي صلى الله عليه وسلم إياهما في الجنة وهذا يفتقر إلى نقل صحيح، ودخلت الواو هنا للتقسيم. ولو سقطت لاختل المعنى لأن الثيوبة والبكارة لا يجتمعان، وقال الكوفيون: هي واو الثمانية وذلك ضعيف.

.تفسير الآية رقم (6):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)}
{قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} أي أطيعوا الله وأمروا أهلكم بطاعته، لتقوا أنفسكم وأهليكم بطاعته من النار، فعبر بالمسبب وهو وقاية النار عن السبب وهو الطاعة {وَقُودُهَا} ذكر في [البقرة: 24] {مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ} يعني زبانية النار وغلظهم وشدتهم، يحتمل أن يريد في أجرامهم وفي قساوة قلوبهم {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} قيل: إن هذا تأكيد لقوله: لا يصعون الله، وقيل: إن معنى لا يعصون امتثال الأمر، ومعنى يفعلون ما يؤمرون، جدهم ونشاطهم فيما يؤمرون به من عذاب الناس.

.تفسير الآية رقم (7):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)}
{لاَ تَعْتَذِرُواْ اليوم} يعني يوم القيامة، ويحتمل أن يكون هذا خطاب من الله للكفار أو خطاب من الملائكة.

.تفسير الآيات (8- 9):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)}
{تَوْبَةً نَّصُوحاً} قال عمر بن الخطاب التوبة النصوح هي أن تتوب من الذنب ثم لا تعود إليه أبداً، ولا تريد أن تعود. وقيل: معناه توبة خالصة فهو من قولهم: عسل ناصح إذا خلص من الشمع، وقيل: هو أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت؛ كتوبة {الثلاثة الذين خُلِّفُواْ} [التوبة: 118] قال الزمخشري: وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي والنصح في الحقيقة صفة التائبين، وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم، وقد تكلمنا على التوبة في قوله: وتوبوا إلى الله جميعاً: في [النور: 31] {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي} العامل في {يَوْمَ} يحتمل أن يكون ما قبله، أو ما بعده أو محذوف تقديره: اذكر، والوقف والابتداء يختلف على ذلك {والذين آمَنُواْ} يحتمل أن يكون معطوفاً على النبي أو مبتدأ وخبره عبده {نُورُهُمْ يسعى} ذكر في [الحديد: 19] {جَاهِدِ الكفار والمنافقين} ذكر في [براءة: 88].

.تفسير الآيات (10- 11):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)}
{امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ} قيل اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة، وهذا يفتقر إلى صحة نقل {فَخَانَتَاهُمَا} قال ابن عباس: خيانة امرأة نوح في أنها كانت تقول: إنه مجنون، وخيانة امرأة لوط بأنها كانت تخبر قومه بأضيافه إذا قدموا عليه، وكانتا مع ذلك كافرتين، وقيل: خانتا بالزنا، وأنكر ابن عباس ذلك وقال: ما زنت امرأة نبي قط تنزيهاً من الله لهم عن هذا النقص، وضرب الله المثل بهاتين المرأتين للكفار الذين بينهم وبين الأنبياء وسائل؛ كأنه يقول: لا يغني أحد عن أحد ولو كان أقرب الناس إليه؛ كقرب امرأة نوح وامرأة لوط من أزواجهما. وقيل: هذا مثال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر في أول السورة، وهذا باطل؛ لأن الله إنما ضربه للذين كفروا. و{امرأت فِرْعَوْنَ} اسمها آسية وكانت قد آمنت بموسى عليه السلام فبلغ ذلك فرعون فأمر بقتلها، فدعت بهذا الدعاء فقبض الله روحها، وروي في قصصها غير هذا مما يطول وهو غير صحيح {مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} تعني: كفره وظلمه، وقيل: مضاجعته لها، وهذا ضعيف.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}
{أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا} يعني الفرج الذي هو الجارحة، وإحصانها له هو صيانتها وعفتها عن كل مكروه {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} عبارة عن نفخ جبريل في فرجها، فخلق الله فيه عيسى عليه السلام وأضاف الله الروح إلى نفسه إضافة مخلوق إلى خالقه، وفي ذلك تشريف له {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} كلمات ربها، يحتمل أن يريد بها الكتب التي أنزل الله أو كلامه مع الملائكة وغيرهم، وكتابه بالإفراد يحتمل أن يريد به التوراة أو الإنجيل أو جنس الكتب، وقرأ أبو عمرو وحفص بالجمع يعني: جميع كتب الله {مِنَ القانتين} أي من العابدين، فإن قيل: لم قال من القانتين بجمع المذكر وهي أنثى؟ فالجواب: أن القنوت صفة تجمع الرجال والنساء فغلب الذكور.

.سورة الملك:

.تفسير الآية رقم (1):

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
{تَبَارَكَ} فعل مشتق من البركة، وقيل معناه تعاظم وهو مختص بالله تعالى ولم يُنطق له بمضارع {بِيَدِهِ الملك} يعني ملك السموات والأرض والدنيا والآخرة، وقيل: يعني ملك الملوك في الدنيا فهو كقوله: مالك الملك، والأول أعم وأعظم.

.تفسير الآية رقم (2):

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}
{خَلَقَ الموت والحياة} يعني موت الخلق وحياتهم، وقيل: الموت الدنيا لأن أهلها يموتون، والحياة الآخرة لأنها باقية، فهو كقوله: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان} [العنكبوت: 64] وهو على هذا وصف بالمصدر والأول أظهر {لِيَبْلُوَكُمْ} أي ليختبركم، واختبار الله لعباده إنما هو لتقوم عليهم الحجة بما يصدر منهم، وقد كان الله علم ما يفعلون قبل كونه، والمعنى ليبلوكم فيجازيكم بما ظهر منكم {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها فقال: أيكم أحسن عملاً وأشدكم لله خوفاً وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله.

.تفسير الآيات (3- 4):

{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}
{سَبْعَ سماوات طِبَاقاً} أي بعضها فوق بعض، والطباق مصدر وصفت به السموات، أو على حذف مضاف تقديره: ذوات طباق وقيل: إنه جمع طبقة.
{مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ} أي: من قلة تناسب وخروج عن الإتقان، والمعنى أن خلقة السموات في غاية الإتقان وقيل؛ أراد خلقة جميع المخلوقات، ولا شك أن جميع المخلوقات متقنة، ولكن تخصيص الآية بخلقة السموات أظهر لورودها بعد قوله: {خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقاً}، فبان قوله: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، بيان وتكميل ما قبله، والخطاب في قوله: ما ترى وارجع البصر وما بعده للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل مخاطب ليعتبر {فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} الفطور الشقوق جمع فطر، وهو الشق. وإرجاع البصر: ترديده في النظر، ومعنى الآية: الأمر بالنظر إلى السماء فلا يرى فيها شقاق ولا خلل بل هي ملتئمة مستوية {ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أي انظر نظراً بعد نظر للتثبت والتحقق، وقال الزمخشري: معنى التثنية في كرتين التكثير لا مرتين خاصة. كقولهم: لبيك فإن معناه إجابات كثيرة {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} الخاسئ هو المبعد عن الشيء الذي طلبه، والحسير هو الكليل الذي أدركه التعب، فمعنى الآية أنك إذا نظرت إلى السماء مرة بعد مرة لترى فيها شقاقاً أو خلالاً رجع بصرك ولم تر شيئاً من ذلك؛ فكانه خاسئ لأنه لم يحصل له ما طلب من رؤية الشقاق والخلل، وهو مع ذلك كليل من شدة النظر وكثرة التأمل.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ} السماء الدنيا، هي القريبة منا، والمصابيح يراد بها النجوم فإن كانت النجوم كلها في السماء الدنيا فلا إشكال، لأنها ظاهرة فيها لنا، ويحتمل أن يريد أنه زيَّن السما الدنيا بالنجوم التي فيها دون التي في غيرها. على أن القول بموضع الكواكب وفي أي سماء هي لم يرد في الشريعة {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} أي جعلنا منها رجوماً، لأن الكواكب الثابتة ليست ترجم الشياطين، فهو كقولك: أكرمت بني فلان؛ إذا أكرمت بعضهم، والرجوم جمع رجم وهو مصدر سُمَي به ما يرجم به، قال الزمخشري: معنى كون النجوم رجوماً للشياطين: والشهب تنقض من النجوم لرجم الشياطين الذين يسترقون السمع من السماء، فالشهب الراجمة منفصلة من نار الكواكب، لا أن الراجمة هي الكواكب أنفسها؛ لأنها ثابتة في الفلك. قال قتادة: خلق الله النجوم لثلاثة أشياء: زينة السماء ورجوم الشياطين ويهتدي بها في ظلمات البر والبحر {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير} يعني للشياطين.

.تفسير الآية رقم (7):

{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)}
{سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً} الشهيق أقبح ما يكون من صوت الحمار، ويعني به هنا ما يسمع من صوت جهنم لشدّة غليانها وهَوْلها أو شهيق أهلها، والأول أظهر {وَهِيَ تَفُورُ} أي تغلي بأهلها غليان القدر بما فيها.

.تفسير الآيات (8- 9):

{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)}
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} أي تكاد جهنم ينفصل بعضها من بعض لشدّة غيظها على الكفار، فيحتمل أن تكون هي المغتاظة بنفسها، ويحتمل أن يريد غيظ الزبانية والأول أظهر؛ لأن حال الزبانية يذكر بعد هذا، وغيظ النار يحتمل أن يكون حقيقة بإدراك يخلقه الله له، أو يكون عبارة عن شدتها {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} أي كلما ألقي في جهنم جماعة من الكفار سألتهم الزبانية هل جاءكم من نذير؟ أي رسول، وهذا السؤال على وجه التوبيخ وإقامة الحجة عليهم، ولذلك اعترفوا فقالوا: {بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ}، وقوله: كلما يقتضي أن يقال ذلك لكل جماعة تلقى في النار {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ} يحتمل أن يكون من قول الملائكة للكفار، أو من قول الكفار للرسل في الدنيا.

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}
{وَقَالُواْ} الضمير للكفار أي {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} كلام الرسل ونعقل الصواب {مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير} {فاعترفوا بِذَنبِهِمْ} اعترافهم هذا في وقت لا ينفعهم الاعتراف، وذنبهم هنا يراد به تكذيب الرسل {فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السعير} انتصب فسحقاً بفعل مضمر على معنى الدعاء عليهم.

.تفسير الآيات (12- 13):

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)}
{بالغيب} فيه قولان أحدهما: أن معناه وهم غائبون عن الناس، ففي ذلك وصف لهم بالإخلاص والآخر أن الغيب ما غاب عنهم من أمور الآخرة وغيرها. على أن هذا القول إنما يحسن في قوله: {يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3].
{وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ} المعنى سواء جهرتم أو أسررتم، فإن الله يعلم الجهر والسر.

.تفسير الآية رقم (14):

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}
{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} هذا برهان على أن الله تعالى يعلم كل شيء، لأن الخالق يعلم مخلوقاته، ويحتمل أن يكون {مَنْ خَلَقَ} فاعلاً يراد به الخالق والمفعول محذوف تقديره: ألا يعلم الخالق خلقه أو يكون {مَنْ خَلَقَ} مفعولاً والفاعل مضمر تقديره: ألا يعلم الله من خلق، والأول أرجح؛ لأن من خلق إذا كان مفعولاً اختص بمن يعقل، والمعنى الأول يعم من يعقل ومن لا يعقل.

.تفسير الآية رقم (15):

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}
{الأرض ذَلُولاً} فعول هنا بمعنى: مفعول، أي ذلولة فهي كركوب وحلوب {فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا} قال ابن عباس: هي الجبال وقيل: الجواب والنواحي وقيل: الطرق والمعنى تعديد النعمة في تسهيل المشي على الأرض، فاستعار لها الذل والمناكب تشبيهاً بالدواب {وَإِلَيْهِ النشور} يعني البعث يوم القيامة.

.تفسير الآيات (16- 17):

{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)}
{أَأَمِنتُمْ} الآية مقصودها التهديد والتخويف للكفار، وكذلك الآية التي بعدها {تَمُورُ} ذكر في [الطور: 9] {حَاصِباً} يحتمل أن يريد حجارة أو ريحاً شديدة {نَذِيرِ} بمعنى الإنذار وكذلك النكير بمعنى الإنكار.

.تفسير الآية رقم (19):

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)}
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} تنبيه على الاعتبار بطيران الطيور في الهواء من غير شيء يمسكها، وصافَّات جمع صافة وهي التي تبسط جناحها للطيران، والقبض: ضم الجناحين إلى الجنب وعطف يقبض على صافات، لأن الفعل في معنى الاسم تقديره: قابضات. فإن قيل: لِمَ لم يقل قابضات على طريقة صافات؟ فالجواب: أن يبسط الجناحين هو الأصل في الطيران، كما أن مدَّ الأطراف هو الأصل في السباحة، فذكر بصيغة اسم الفاعل لدوامه وكثرته، وأما قبض الجناحين فإما يفعله الطائر قليلاً للاستراحة والاستعانة، فذكر بلفظ الفعل لقلته.